الهجرة.. هروب شباب غزة من الفقر والشلل الاقتصادي
تتزايد ظاهرة هجرة الشباب والكفاءات من غزة؛ بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في هذا الشريط الضيق جغرافيًا، الذي أصبح أكثر ضيقًا على أهلة بفعل الحصار الاسرائيلي والانقسام ، حيث خرج آلاف الفلسطينيين إلى شواطئ أوروبا ، في حين لم يحالف الحظ آخرين قضوا غرقا قبل تحقيق الحلم.
روايات مؤلمة يرويها عدد من شباب غزة في غربتهم لـ(البلاد)، حيث تبدأ فصول المعاناة فور وصولهم الأراضي التركية التي باتت مصيدة للمهاجرين، من حيث التعرض للنصب والاحتيال والاعتقال، فضلا عن المخاطرة بحياتهم في خضم البحر.
قال الشاب حمزة حمزاوي: إنه حزم أمتعته وترك غزة بعدما ضاقت به وبعائلاته سبل الحياة، وتحطمت آماله في غد أفضل على صخرة الشلل الاقتصادي، ولم يجد فرصة عمل بعد تخرجه من الجامعة، فقرر مغادرة القطاع مهاجرًا إلى أوروبا على أمل أن يجد فيها ما فقد في وطنه.
وأضاف أن أخته وزوجها كان رفيقيه في طريق الهجرة، زوج أخته مات غرقًا في اليونان، لقد هرب من معاناة الفقر في قطاع غزة ليموت في طريق الغربة.
وتابع أن فصول معاناة المهاجرين تبدأ بالحصول على فيزا للسفر لتركيا مصيدة الشباب المهاجر، حيث يتم دفع (عشرة آلاف دولار) للمهربين عن كل مهاجر، في رحلة سفر محفوفة بالمخاطر حيث يضع المهرب نحو 50 مهاجرا في قارب صغير يسمى “بلم” من شواطئ تركيا إلى الجزر اليونانية، ويقطع الشاب المهاجر بعد أن يصل لشواطئ اليونان في حال نجا من البحر، مسيرة لأيام في الغابات الموحشة حيث الجوع والعطش والبرد القارس، وهناك عدد من الأصدقاء ماتوا في طريق رحلتهم، ودفنوا في طريق هجرتنا.
مأساة أخرى يروي تفاصيلها عم الشاب العشريني صالح كمال حمد، الذي غرق في نهر ديرنا أثناء محاولته اجتيازه متجهًا لدولة البوسنة، وبقى مفقودًا لثلاثة أسابيع إلى أن عثر عليه طاقم السفارة الفلسطينية في البوسنة، وتعرفوا على جثمانه من أسورة كانت في معصمه، قال رفيق حمد عم الشاب: إن الفقيد كان يريد تحقيق أحلامه في الخارج، بعدما تحطمت كما معظم الشباب في قطاع غزة .
من جانبه، قال الباحث الحقوقي حسين حماد: إن قضية هجرة الشباب من غزة مؤلمة وباتت تشكل تهديدًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي والتعليمي والصحي، حيث بات المجتمع يدفع الثمن من خلال خسارته لكفاءات كثيرة متخصصة في مجالات متنوعة وبعضها نادر، هاجرت بسبب الضيق والوضع المأزوم في غزة.
ويشير حماد إلى أن الآلاف يغادرون غزة كل عام، والقضية تحتاج لمعالجة جذرية، لأن استمرار الوضع على ماهو عليه يعد من أخطر الظواهر التي تهدد مكونات المجتمع الفلسطيني.
وأضاف أن تزايد الفقر والبطالة التي قفزت إلى 54% من عدد السكان، وتضاعف أعداد الخريجين العاطلين إلى أكثر من 230 ألف خريج، دفع نسبة كبيرة من الشباب للبحث عن مخرج لأزمتهم بالهجرة بحثا عن المستقبل، فمنهم من وصل، وهناك من غرق، وهناك من أصبح مصيره مجهولًا.
ولفت إلى ضرورة إنهاء حالة الانقسام الداخلي، التي ستنعكس نتائجها بشكل إيجابي على توفر فرص عمل ومشاريع صغيرة للشباب، وذلك للحد من اتساع ظاهرة الهجرة ودفع شباب غزة إلى عدم المغادرة .
فيما كشف استطلاع للرأي أجرته ( البلاد) في غزة أن 71.4 % من أفراد العينة وهم من الشباب (الذكور والإناث) على استعداد لمغادرة القطاع فورًا لانتشال عائلاتهم من الفقر المدقع، وهي من أعلى النسب في العالم، وأن استمرار حالة الانقسام المريرة عزز وبقوة فكرة الهجرة للبحث عن حياة أفضل خارج القطاع .
ورأى الكاتب والمحلل السياسي عماد الدين الجبوري، أن ازدياد هجرة شباب غزة في صالح الاحتلال الإسرائيلي، الذي يواصل تهجير الفلسطينيين قسرًا منذ عام 1948، لذلك يجب توعية الشباب حيال هذا الأمر، وهذه مسؤولية الجميع من دون استثناء سواء في السلطة أو مراكز البحوث أو وسائل الإعلام.