من المسؤول عن تاخير مستحقات الشؤون الاجتماعية؟
للشهر الخامس على التوالي، يحرم الفقراء والمحتاجون من سكان قطاع غزة المنتفعين من المخصصات المالية التي تصرفها السلطة الفلسطينية كل ثلاثة أشهر عبر وزارة التنمية الاجتماعية، من الحصول على الأموال المخصصة لهم، وسط تنديد واسع من قبل المنظمات الأهلية والحقوقية، نتيجة تردي الأوضاع المعيشية للمنتفعين من هذه المستحقات.
وتصرف وزارة التنمية الاجتماعية أربع دفعات مالية سنوياً مخصصة كمساعدات نقدية مقدمة من الاتحاد الأوروبي، وتساهم فيها السلطة لنحو 80 ألف عائلة فقيرة في غزة، ولكن لم تتلق الأسر منذ بداية العام الحالي غير دفعة واحدة، ولم يتضح بعد موعد صرف الدفعة الثانية.
وتبلغ نسبة صرف الدورة الواحدة للفقراء 10 مليون دولار، حيث يقدم الاتحاد الأوروبي 60 في المئة من الأموال المخصصة للفقراء في كل دورة، وتتكفل السلطة الفلسطينية بباقي المبلغ، ولكن إعلان الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، عدم توفير المساهمة المتعلقة بمخصصات الشؤون الاجتماعية قبل نهاية العام الجاري، حطم آمال المواطنين الذين ينتظرون بأي وقت صرفها.
وتسبب تأخر صرف المخصصات لآلاف الأسر في قطاع غزة، بتعاظم معاناتهم في ظل التقاعس والتسويف المستمر من قبل السلطة الفلسطينية في صرفها للفئات الفقيرة والأشد فقراً، حيث تعيش الأسر المحرومة من المنحة المالية حالة من فقدان الأمن الغذائي، وعدم القدرة على توفير العلاج خاصة للأطفال وكبار السن، إضافة إلى تراكم الديون على هذه الأسر.
واستنكرت مؤسسات حقوقية مماطلة السلطة والاتحاد الأوروبي في صرف المنحة المالية للفقراء، حيث أصدر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بياناً، يطالب فيه بصرف مخصصات الشؤون الاجتماعية للمستفيدين بما في ذلك المستحقات المتراكمة عليها قبل نهاية العام الحالي، مشيراً إلى أن غالبية الأسر المستفيدة، باتت غير قادرة على توفير أدنى احتياجاتها الأساسية، مطالباً الحكومة الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها تجاه الفقراء، والعمل على صرف الدفع المالية بانتظام من دون تأخير.
وكشف وزير التنمية الاجتماعية أحمد مجدلاني في تصريحات صحافية، عن أسباب تأخر صرف شيكات الشؤون الاجتماعية، مشيراً إلى أن السبب الأول عدم وجود مساهمة من البنك الدولي، بعدما دفع جميع مساهمته للعام الجاري خلال الدفعة السابقة، أما السبب الثاني أن الحوار والاتصالات من الاتحاد الأوروبي منذ الشهر الماضي، لم تصل إلى نتيجة وكذلك الظروف التي مرت بها الحكومة والسلطة الفلسطينية كانت في غاية الصعوبة، معرباً عن أمله بنجاح المساعي التي تبذل مع الاتحاد الأوروبي، لتوفير الأموال لصرف المستحقات.
وعبر عدد من المواطنين المستفيدين من منحة التنمية الاجتماعية، عن بالغ استيائهم من قرار الاتحاد الأوروبي تأجيل صرف الدفعة المالية، كما حمل المواطنون السلطة في رام الله والتي تدير ظهرها لقطاع غزة ولا تعطيها حقها الكامل في الموازنة العامة، المسؤولية الكاملة عن الأزمة.
ويقول المواطن أشرف الرفاعي (42 عاماً) والذي يحرم كغيره من تلقي منحته المالية، إن «تأخر صرف المنحة أثر بشكل سلبي على ظروف حياتي المعيشية، حتى أن ذلك دفعني إلى منع ذهاب أبنائي لمقاعد الدراسة الجامعية، نتيجة التكاليف المالية الكبيرة وعدم المقدرة على تسديد الرسوم الجامعية لهم».
وبين الرفاعي لـ«القدس العربي» أنه يعاني من أمراض مزمنة تجعله غير قادر على العمل وتوفير لقمة العيش، «تأخر صرف المنحة المالية، يعتبر جريمة بحق الإنسانية فلا أحد يلتفت إلى الفقراء، فأصحاب المحال التجارية في الحي الذي أسكن فيه، لا يسمحون لي بالاستدانة منهم نتيجة تراكم الديون، وفي هذا الحال الذي يعاني منه الآلاف، بات يهدد حياتهم نتيجة صعوبة توفير لقمة العيش».
وأشار إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية تتلاعب بصرف المنحة في كل عام، فخلال العام الماضي تم صرف المنحة ثلاث مرات بدل أربع، ومنذ بداية العام الحالي تم صرفها فقط لمرة واحدة، كما أن نسبة الصرف قلصت بشكل كبير، «كنت أتقاضى العام الماضي مبلغ 1200 شيكل، ولكن تم توحيد المنحة لجميع المستفيدين بمبلغ 750 شيكلاً وهذا شكل صدمة قوية للمستفيدين».
أما المواطن تامر الهبيل (51 عاماً) فلا يختلف حاله كثيراً عن سابقه، فقد ضاقت به الأحوال هو الآخر وبات مهددا بالعيش في العراء، بعد تراكم إيجار المنزل الذي يعيش فيه للشهر الخامس على التوالي، نتيجة تأخر صرف المنحة وعدم تمكنه من تسديد الإيجار لصاحب المنزل، الذي يرفض بقاؤه في المنزل في مدة أكثر من ذلك.
يقول الهبيل لـ«القدس العربي»: «إن غالبية كبيرة من المستفيدين من مخصصات الشؤون، ليس لديهم أي مصادر دخل أخرى، فهذه المخصصات تعتبر طوق نجاة لهم وتأخرها يمس بكرامة ولقمة عيش الفقراء» محملاً السلطة الفلسطينية مسؤولية تكريس معاناتهم وعدم الالتفات لمطالبهم العادلة.
ويضيف «أن استمرار الأوضاع الحالية من دون أي حلول قريبة، سيهدد بخروج الفقراء عن صمتهم، فهناك العديد الفعاليات التي تخرج أسبوعياً أمام وزارة التنمية في غزة، ولكن هناك فعاليات أكثر حدة وشعبية ستنطلق خلال الأيام المقبلة إذا استمر تجاهل حقوقنا، فأوضاعنا تتدهور يوماً بعد الآخر وأطفالنا باتوا يتضورون جوعاً، وأبناؤنا تركوا مقاعدهم الدراسية، داعياً جميع المؤسسات الأهلية والحقوقية للضغط على السلطة والاتحاد الأوروبي، لصرف كامل المستحقات المتراكمة كي نتمكن من الإيفاء بجميع الالتزامات علينا».
بدوره أكد الخبير في الشأن الاقتصادي سمير حمتو أن عدم حصول الفقراء في قطاع غزة على مخصصاتهم المالية، سوف يزيد من معدلات الفقر ويراكم الديون على المستفيدين، لا سيما أن غالبية المستفيدين، ينتظرون موعد الصرف لسداد ديونهم للبقالات والصيدليات وشراء مستلزماتهم الضرورية.
وبين حمتو لـ«القدس العربي»: أن خطوة الاتحاد الأوروبي في إعلانها تأجيل تقديم المساعدة المالية للأسر الفقيرة، تنطوي تحت أهداف سياسية يريد الاتحاد من خلالها الضغط على السلطة الفلسطينية في رام الله، خاصة بعد تهديد الاتحاد بتقليص الدعم في حال فشلت الانتخابات الفلسطينية.
وأشار إلى أن السلطة تحرم قطاع غزة نصيبه الكامل في النفقات السنوية، فلا يعقل أنها غير قادرة على تقديم مساعدة عاجلة للأسر الفقيرة، لإنقاذهم من الظروف المأساوية التي يعيشونها، فالسلطة تساهم بـ 10 مليون دولار من مجمل المستحقات المدعومة، والأجدر أن تصرف المنحة بنسبة معينة، إلى حين استئناف دعم الاتحاد الأوروبي.
ولفت حمتو إلى أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في القطاع آخذة في التدهور في أعقاب الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، التي أدت إلى فقدان المئات من المواطنين فرص العمل، نتيجة تدمير عدد كبير من المصانع، إلى جانب فرض إسرائيل حصاراً اقتصادياً، واستمرار تلكؤ السلطة في صرف المساعدات المالية، ستكون له انعكاسات سلبية على الوضع المعيشي للفئات المهمشة.