"منتفعو الشؤون".. شهور طويلة من الاستغاثة "بلا مجيب"

الصفحة الرئيسية

 


"منتفعو الشؤون".. شهور طويلة من الاستغاثة "بلا مجيب"


لثلاثة أيام بلياليها لم يغادر محمد النجار خيمة اعتصام نصبها "منتفعو الشؤون الاجتماعية" أمام مقر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بمدينة غزة.


يفضل النجار البقاء في الخيمة وإعلاء صوته على أن يعود "خالي الوفاض" إلى أبنائه الذين ينتظرون أخبارًا مفرحة من خيمة الاعتصام المتواصلة منذ أسبوعين على أمل أن تنتهي معاناتهم المستمرة منذ خمسة عشر شهرًا؛ بسبب رفض السلطة صرف مستحقاتهم المالية.


لم تغلق السلطة أبوابها أمام النجار وبقية المنتفعين بل أغلقت البقالة والصيدلية ودفاتر الديون، وبدأت تهديدات صاحب البيت تتعالى، إما "بدفع الإيجار المتراكم أو الطرد"، همومٌ يهرب منها للمطالبة بحقوقه وصرف مستحقاته.


بملامح أثقلتها الهموم والأوجاع ورأسٍ يغزوه الشيب يلخص واقعه الصعب قائلًا بصوت غاضب: "الحياة أصبحت صعبة بعد أكثر من عام على انقطاع صرف المستحقات.. لدي سبعة أبناء ما بين طلبة جامعيين ومدارس".


وأشار إلى أن إحدى بناته كانت تدرس في جامعة الإسراء ولكن بسبب قطع "شيكات الشؤون" اضطرر الأب لنقلها إلى كلية الدعوة شمال القطاع؛ لكون الدراسة في الأخيرة "مجانًا".


المرض والألم


هنا، كسر المرض والألم ظهر يحيى عراضي كما كسر الفقر حياته الذي حال دون تعبئة أسطوانة غاز لبيته فيتولى أهل الخير تعبئتها، وليس هذا فحسب، بل لم يتمكن من دفع رسوم روضة طفلته فاضطر لإجلاسها في البيت.


يتكئ عراضي على عكازته، ترافقه زوجته وطفلته من محافظة رفح لخيمة الاعتصام، يسأل أحدهم: إن كان قد حدثت استجابة لمطالبهم ليجيبه الأخير: "ما حدش بحس فينا يخو".


يمسكُ طفلته، على حين تتجه نظراته نحو قدميه وعكازته قائلا: "أحتاج لتحويلة علاجية لعلاج كسور أعانيها، نعيش حياةً متوقفة، كل يوم نستيقظ على أمل أن يكون هناك خبر عن الشؤون الاجتماعية، لكن للأسف! كلها آمال ووعود كاذبة أشبه بإبرٍ مخدرة ومماطلة وتسويف وبينما نحن نموت من الجوع والفقر تسمع أصواتنا الجدران".


تقف الأربعينية أم عمر الهور من سكان مخيم النصيرات وطفلاها بين نسوة تجمعن في خيمة الاعتصام بملامح باهتة، ومعدة خاوية وعينين واسعتين، وصوت يئن من تعب هموم الحياة "لدي تسعة أبناء بينهم اثنان مرضى عدا عن والدهم المريض".


تستطيع أم عمر تحمل الظروف وتربط حجارة الصبر على قلبها، لكن أطفالها لا يستطيعون الصبر، فأحدهم يذهب إلى المدرسة بلا مصروف لينظر إلى أقرانه كل يوم ويعود بكلمات العتاب التي تزيد من أوجاعها: "هم ليش الأولاد بيأخدوا مصروف وأنا لا".

 تتعالى نبراتها الغاضبة معلقة على ذلك: "لم أعد أرسلهم للمدرسة، لأنه لا يوجد طعام أو مصروف وكأنهم ينتقمون من أطفال (الغلابة)".

وتستدرك: "لولا أننا نعيش على ما نحصل عليه من كابونة (أونروا) من عدس ودقيق لكان الوضع أسوأ بكثير".


تتساءل بينما يستوطن القهر ملامحها بلهجة عامية: "ليش احنا فئة الشؤون مانعين عنا المخصصات؟ مش عارفين أسباب عدم الصرف؟ رغم إنه احنا أكثر فئة كان وضعنا صعب وصار أسوأ".


أصوات تئن


ما تساءلت عنه أم عمر يجيبه محمود اليازجي واصفًا ما يحدث معهم "مؤامرة ضد الفقراء والمرضى والضعفاء".


ووصف ادعاءات السلطة في رام الله عدم وجود ميزانية "كذبًا"، وقالت: "لو كانت هناك أزمة لشملت الجميع.. يتآمرون ضد الفقراء".


ليس ألم المفاصل وحده هو الذي ينخر اليازجي وهو من ذوي الإعاقة الحركية، نتيجة عدم قدرته على السفر لإجراء عملية جراحية عاجلة، إذ تجثم على كاهله ديون سبعة أشهر إيجار لصالح المنزل، وإغلاق البقالة دفتر الدين أمام عائلته.


يسمع أنات الوجع والجوع في آن واحدٍ، ينام على أمل صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية ليستيقظ على جوع أطفاله الذين لا يعرفون كثيرًا عن سبب عدم الصرف، يطلق العنان لصوت القهر بمغادرة قلبه "لقد طردت خمس مرات من بيوت الإيجار، ولولا تدخل أهل الخير وسداد بعضها لتعرضت للسجن.. الاحتلال يقتلنا بالطائرات وهم يقتلوننا ببطء".


لا زالت كلمات القهر تخرج منه وهو يركن عربته الكهربائية في خيمة الاعتصام "نحو خمسة عشر شهرًا مضت، لم يصرفوا خلالها سوى 750 شيقلًا؛ ماذا فعلت!؟ فنحن بالكاد كانت الدفعة التي تصرف كل ثلاثة أشهر تكفي لتلبية متطلبات الأسرة".


وكان من المقرر صرف الدفعة المالية الأولى لعام 2021 نهاية شهر مارس من ذاك العام لعدد 116 ألف أسرة مستفيدة من مخصصات الشؤون الاجتماعية على أن تُصرف الدفعة الثانية مطلع يونيو من ذات العام إضافة للدفعة الثالثة والرابعة، لكن وزارة الشؤون الاجتماعية برام الله لم تصرف أي منها.


وبحسب المتحدث باسم الهيئة العليا للمطالبة بحقوق فقراء ومنتفعي الشؤون الاجتماعية صبحي المغربي، فإن هناك 53 ألف مستفيد من مخصصات الشؤون من ذوي الإعاقة، و28 ألفًا من كبار السن والمرضى، و10 آلاف أرملة، و725 منفصلة "جميعهم تحت خط الفقر".


المصدر: فلسطين أون لاين

google-playkhamsatmostaqltradent