لماذا درنة الليبية الخاسر الأكبر في إعصار "دانيال"؟
بين مدن الشرق الليبي كبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، تعرضت درنة لأكثر الأضرار وأسوأ الخسائر جراء العاصفة المتوسطية دانيال التي اجتاحت سواحل البلاد الأحد.
وبلغت حصيلة ضحايا الإعصار الآلاف بين قتيل ومفقود، جلهم من مدينة درنة التي أعلنتها سلطات الشرق الاثنين مدينة منكوبة، ووصف مسؤولون ليبيون الوضع فيها بالكارثي.
درنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر ويشطرها لنصفين مجرى الوادي الذي يعد من أهم معالمها.
امتلأ الوادي بمياه الأمطار التي سببها إعصار دانيال وارتفع مستواها بشكل غير مسبوق لتشكل طوفانا وضغطا هائلا على أهم سدين يحجزان المياه في الوادي فانهارا، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية.
وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، سجلت درنة وحدها أكثر من ألفي قتيل، وفق ما أعلن أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، ومصادر طبية تحدثت للأناضول.
تشغيل الفيديومدة الفيديو 02 minutes 55 seconds02:55
انهيار السدين
قال المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي إن جميع مناطق شرق ليبيا عدا بنغازي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر الضخم، إلا أن وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي هو السبب في ارتفاع حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة.
وذكر الدرناوي للأناضول، أن وادي درنة هو مصب لكل السيول القادمة من جنوب درنة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات.
بعد امتلاء وادي درنة بفعل إعصار دانيال، قال المؤرخ الليبي: انهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لحجز مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل فكانت الكارثة المحققة.
السدان المنهاران -وفق الدرناوي- هما سد البلاد وسيدي بومنصور اللذان يحبسان في العادة مياه السيول في الوادي.
خطر دائم
المؤرخ الليبي تحدث عما سماه التاريخ الطويل من خذلان وادي درنة لسكان المدينة.
وقال إن وادي درنة هو أشهر واد في ليبيا وأبرز معالم المدينة إلا أنه في الوقت ذاته يشكل مصدر خطر دائم على السكان لتسببه في السابق بكوارث مشابهة لما يعيشه السكان اليوم جراء إعصار دانيال.
ففي عام 1941، حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر، حسب المؤرخ الليبي.
ويضيف أن ذلك كان في أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك مع الجزم أنها كانت كبيرة.
أما عام 1959، فإن فيضانا كبيرا آخر حدث -كما يوضح الدرناوي- بسبب ارتفاع مستوى المياه في الوادي وأوقع قتلى ومصابين بالمئات ودمر العديد من المنازل، ومن شدة قوته حركت المياه المندفعة الصخرة الكبيرة في درنة، المعروفة بصنب الزيت، إلى مسافة كبيرة من منطقة عين البلاد حتى منطقة وسط المدينة.
ويسجل المؤرخ الليبي فيضانات أخرى بسبب وادي درنة عامي 1968-1969 لكنها لم تسجل أضرارا كبيرة وقتها، على حد قوله.
احتواء الوادي
وفي محاولة من السلطات المحلية لوضع حد للوادي المخيف، قال المؤرخ الليبي: بنيت السدود الحالية التي انهارت أمس الاثنين وهما سدا البلاد وبومنصور عام 1986، وبعد إنشائهما في ذلك الوقت حدث تسريب في أحد السدود عبر بالوعة التصريف ما أسفر عن حدوث فيضان آخر في وادي درنة خلّف أضرارا بشرية.
لم تنقطع الكوارث الطبيعية في وادي درنة حتى في التاريخ المعاصر وفق الدرناوي، حيث فاض الوادي عام 2011 بعد أن حاولت السلطات المحلية فتح السدود لتصريف المياه التي تراكمت وقتها بفعل الأمطار الغزيرة وكادت المدينة تغرق.
خسائر انهيار سدي وادي درنة طالت الممتلكات المادية للمدينة، ففي وقت سابق الثلاثاء قال الحسين سويدان، رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية إن شبكة الطرق والجسور في مدينة درنة شرقي البلاد انهارت بشكل كامل جراء الإعصار، موضحا أن تكلفة إعادة إعمارها تبلغ حوالي 300 مليون دينار (نحو 67 مليون دولار).